فصل: (فَصْلٌ): (أَحْكَامُ حَجْرِ الْمُفْلِسِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [أَحْكَامُ حَجْرِ الْمُفْلِسِ]:

(وَيَتَعَلَّقُ بِحَجْرِ الْمُفْلِسِ أَحْكَامٌ) أَرْبَعَةٌ. (أَحَدُهَا تَعَلُّقُ حَقِّ غُرَمَائِهِ) مَنْ سَأَلَ الْحَجْرَ وَغَيْرُهُ (بِمَالِهِ) الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ بِنَحْوِ إرْثٍ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِي دُيُونِهِمْ، فَتَعَلَّقَتْ حُقُوقُهُمْ بِهِ؛ كَالرَّهْنِ، (فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقِرَّ بِهِ) الْمُفْلِسُ (عَلَيْهِمْ)؛ أَيْ: الْغُرَمَاءِ (وَلَوْ) كَانَ إقْرَارُهُ (بِزَكَاةٍ أَوْ) كَانَ الْمُفْلِسُ (قَصَّارًا) أَوْ حَائِكًا (أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ) مِنْ الْمَتَاعِ (لِأَرْبَابِهِ)؛ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ؛ (بَلْ) يَكُونُ مَا أَقَرَّ بِهِ (عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ؛ (كَرَاهِنٍ) أَقَرَّ بِأَنَّ الرَّهْنَ لِزَيْدٍ مَثَلًا، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ، بَلْ يُبَاعُ بِدَيْنِهِ حَيْثُ جَازَ بَيْعُ الرَّهْنِ، وَيُتْبَعُ بِهِ لِزَيْدٍ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ. (وَلَا) يَصِحُّ (أَنْ يَتَصَرَّفَ) مُفْلِسٌ (فِيهِ) أَيْ: مَالِهِ (بِغَيْرِ تَدْبِيرٍ، وَقِيَاسُهُ)؛ أَيْ: التَّدْبِيرِ (الْوَصِيَّةُ)؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَخُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَلِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ وَفَاءِ الدُّيُونِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ (وَغَيْرُ صَدَقَةٍ بِتَافِهٍ)؛ أَيْ: يَسِيرٍ فَيَصِحُّ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَضُرَّ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْتُ: إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ مِمَّا جَرَتْ بِهِ، وَتُسَامِحُ بِمِثْلِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ وَلَوْ كَانَ تَصَرُّفُهُ عِتْقًا أَوْ صَدَقَةً بِشَيْءٍ كَثِيرٍ أَوْ يَسِيرٍ، فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. (وَلَا) يَصِحُّ (أَنْ يَبِيعَهُ) الْمُفْلِسُ؛ أَيْ: مَالَهُ (لِغُرَمَائِهِ) كُلِّهِمْ (أَوْ بَعْضِهِمْ بِكُلِّ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ؛ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ إلَّا لِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ- وَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ يُبْطِلُهُ- وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِلْحَاكِمِ فِيهِ، بِخِلَافِ مَالِ الْمُفْلِسِ؛ لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَصَرَّفَ فِي اسْتِيفَاءِ دَيْنٍ أَوْ الْمُسَامَحَةِ فِيهِ وَنَحْوِهِ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ؛ لَمْ يَصِحَّ. (وَيَصِحُّ) مِنْ مُفْلِسٍ تَصَرُّفٌ غَيْرُ مُسْتَأْنَفٍ؛ (كَإِمْضَاءِ خِيَارٍ وَفَسْخٍ لِعَيْبٍ) فِيمَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ إتْمَامٌ لِتَصَرُّفٍ سَابِقٍ عَلَى حَجْرِهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ؛ كَاسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ أُودِعَهَا قَبْلَ حَجْرِهِ- (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) فِي إمْضَائِهِ (حَظٌّ)- لِمَا ذَكَرنَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (لَا مَعَ ضَرَرِ) غُرَمَائِهِ بِهَذَا الْإِمْضَاءِ؛ فَلَا يَصِحُّ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُكَفِّرُ هُوَ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسُ بِصَوْمٍ لِئَلَّا يَضُرَّ بِغُرَمَائِهِ، (وَ) يُكَفِّرُ (سَفِيهٌ) وُجُوبًا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) ضَعِيفٍ (وَ) يُكَفِّرُ (صَغِيرٌ) أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ الْقَلَمُ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ، بَلْ لِلْمُصَنِّفِ نَفْسِهِ فِي الْحَجِّ (بِصَوْمٍ)؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا مِنْ مَالِهِ يَضُرُّ بِهِ وَلِلْمَالِ الْمُكَفَّرِ بِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ لَا مَالَ لَهُ. (فَإِنْ أَعْتَقَا)؛ أَيْ: الْمُفْلِسُ وَالسَّفِيهُ؛ (لَمْ يَصِحَّ) عِتْقُهُمَا، لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا إنْ فُكَّ حَجْرُ مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ، (وَقَدَرَ) عَلَى مَالٍ يُكَفِّرُ بِهِ (قَبْلَ تَكْفِيرِهِ)؛ فَكَمُوسِرٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ أَيْ: فَيُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقْتَ الْأَدَاءِ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ. (وَيَتَّجِهُ فَيُخَيَّرُ) مَنْ أَيْسَرَ قَبْلَ تَكْفِيرِهِ بَيْنَ فِعْلِ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ؛ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقْتُ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. بَلْ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ. (وَإِنْ تَصَرَّفَ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ (فِي ذِمَّتِهِ بِنَحْوِ شِرَاءٍ وَاسْتِئْجَارٍ وَإِقْرَارٍ) وَإِصْدَاقٍ وَضَمَانٍ؛ (صَحَّ) لِأَهْلِيَّتِهِ لِلتَّصَرُّفِ، وَالْحَجْرُ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ لَا بِذَمَّتِهِ، (وَتَبِعَ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ (بِهِ)؛ أَيْ: بِمَا لَزِمَهُ بِذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (بَعْدَ فَكِّهِ)؛ أَيْ: الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ مَنَعَ تَعَلُّقِهِ بِمَالِهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ السَّابِقِ عَلَيْهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى فَقَدْ زَالَ الْمُعَارِضُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْغُرَمَاءَ. (وَلَوْ عَزَا مَا أَقَرَّ بِهِ لِمَا قَبْلَ حَجْرٍ) أَوْ بَعْدَهُ؛ بِأَنْ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْهُ كَذَا قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ أُطْلِقَ، (وَكَذَا مَا ثَبَتَ) عَلَى الْمُفْلِسِ (بِنُكُولٍ) عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ تَوَجُّهِهَا عَلَيْهِ، فَيُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ، وَ(لَا) كَذَلِكَ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ (بِبَيِّنَةٍ)؛ لِأَنَّهُ يُشَارِكُ بِهِ صَاحِبُهُ الْغُرَمَاءَ؛ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ. (وَإِنْ جَنَى) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا أَوْ قِصَاصًا، وَاخْتِيرَ الْمَالُ؛ (شَارَكَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءَ)؛ لِثُبُوتِ حَقِّهِ عَلَى الْجَانِي بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ؛ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْجَانِي قَبْلَ الْحَجْرِ، (وَقُدِّمَ)- بِالْبِنَاءِ. لِلْمَفْعُولِ- (مَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ قِنُّهُ)؛ أَيْ الْمُفْلِسُ (بِهِ)؛ أَيْ: بِالْقِنِّ الْجَانِي؛ كَتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ؛ كَمَا يُقَدَّمُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ تَقْدِيمِ حَقِّ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ بِالْقِنِّ الْجَانِي (مَا لَمْ يَكُنْ) جَنَى الْقِنُّ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) مَعَ جَهْلِهِ التَّحْرِيمَ وَعَدَمِ وُجُوبِ الطَّاعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِإِذْنِهِ فَلَا تَقْدِيمَ؛ (لِتَعَلُّقِهَا) حِينَئِذٍ (بِذِمَّتِهِ)؛ أَيْ: السَّيِّدِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْجَانِي، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ؛ كَمَا يَأْتِي وَهُوَ مُتَّجِهٌ الْحُكْمُ (الثَّانِي): مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَجْرِ (إنْ وَجَدَ عَيْنَ مَا بَاعَهُ) لِلْمُفْلِسِ (أَوْ) عَيْنَ مَا (أَقْرَضَهُ) لَهُ (أَوْ) عَيْنَ مَا (أَصْدَقَهُ ثُمَّ تَنَصَّفَ) الْمَهْرُ بِفِرَاقِهِ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، (أَوْ أُسْقِطَ)؛ كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ- وَقَدْ أَفْلَسَتْ- وَوَجَدَ الزَّوْجُ عَيْنَ مَالِهِ، (وَلَوْ بَعْدَ حَجْرِهِ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ)؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، (أَوْ) وَجَدَ (مَا أَعْطَاهُ لَهُ رَأْسَ مَالٍ سُلِّمَ، أَوْ) وَجَدَ شَيْئًا (أَجَرَهُ) لِلْمُفْلِسِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُؤَجِّرُ لِلْمُفْلِسِ (نَفْسُهُ)؛ أَيْ: غَرِيمُ الْمُفْلِسِ، (وَلَمْ يَمْضِ مِنْ مُدَّتِهَا)؛ أَيْ: الْإِجَارَةِ (شَيْءٌ وَيَتَّجِهُ) كَوْنُ ذَلِكَ الشَّيْءِ (لَهُ وَقَعَ) فِي الْأُجْرَةِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنْ مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ لَهُ وَقَعَ؛ فَلَا فَسْخَ؛ تَنْزِيلًا لِلْمُدَّةِ مَنْزِلَةَ الْمَبِيعِ وَمُضِيِّ بَعْضِهِ كَتَلَفِ بَعْضِهِ، وَكَذَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَهُ الْفَسْخُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ وَجَدَ شِقْصًا أَخَذَهُ مُفْلِسٌ بِشُفْعَةٍ؛ فَهُوَ)؛ أَيْ: وَاجِدُ عَيْنِ مَالِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ (أَحَقُّ بِهَا)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ أَفْلَسَ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمَا. أَمَّا مَنْ عَامَلَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ جَاهِلًا؛ فَلِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَلَيْسَ مُقَصِّرًا بِعَدَمِ السُّؤَالِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ عَدَمُ الْحَجْرِ، فَإِنْ عَلِمَ بِالْحَجْرِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهَا؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَيُتْبَعُ بِبَدَلِهَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ، وَحَيْثُ كَانَ رَبُّهَا أَحَقَّ بِهَا، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا. (وَلَوْ قَالَ الْمُفْلِسُ: أَنَا أَبِيعُهَا وَأُعْطِيكَ ثَمَنَهَا)؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَلَهُ أَخْذُ سِلْعَتِهِ نَصًّا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَوْ (بَذَلَهُ)؛ أَيْ: الثَّمَنَ (غَرِيمٌ) مِنْ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ لِرَبِّ السِّلْعَةِ، فَإِنْ بَذَلَهُ لِلْمُفْلِسِ، ثُمَّ بَذَلَهُ هُوَ لِرَبِّهَا؛ فَلَا فَسْخَ لَهُ، (أَوْ خَرَجَتْ) السِّلْعَةُ، فَإِنْ بَذَلَهُ لِلْمُفْلِسِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَعَادَتْ لِمِلْكِهِ) بِفَسْخٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ كَمَا لَوْ وَهَبَهَا لِوَلَدِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ. (وَيَتَّجِهُ) كَوْنُ عَوْدِهَا لِمِلْكِهِ (بِغَيْرِ وَقْفٍ)؛ أَمَّا لَوْ بَاعَهَا لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ وَقَفَهَا مُشْتَرِيهَا عَلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّهَا عَلَيْهَا؛ لِوُقُوعِ الْوَقْفِ لَازِمًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَقَرَعَ إنْ بَاعَهَا)؛ أَيْ بَاعَ السِّلْعَةَ الْمُفْلِسُ، (ثُمَّ اشْتَرَاهَا) مِنْ مُشْتَرٍ مِنْهُ أَوْ غَيْرِهِ (بَيْنَ الْبَائِعَيْنِ) فَمَنْ قَرَعَ الْآخَرَ كَانَ أَحَقَّ بِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ مَنْ أَفْلَسَ- وَلَا مُرَجِّحَ- فَاحْتِيجَ إلَى تَمْيِيزِهِ بِالْقُرْعَةِ، وَلَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُقُوطِ حَقِّهِمَا مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا، فَلَا يُقَالُ كُلٌّ مِنْ الْبَائِعَيْنِ تَعَلَّقَ اسْتِحْقَاقُهُ بِهَا، بَلْ يُقَالُ أَحَدُهُمَا أَحَقُّ بِأَخْذِهَا لَا بِعَيْنِهِ، فَيُمَيِّزُ بِقُرْعَةٍ وَالْمَقْرُوعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَمَنْ قُلْنَا إنَّهُ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ لَهُ [تَرْكَهُ] وَالضَّرْبُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَإِذَا تَرَكَ أَحَدُ الْبَائِعَيْنِ فِيمَا سَبَقَ تَمْثِيلُهُ تَعَيَّنَ الْآخَرُ وَلَا يُحْتَاجُ لِقُرْعَةٍ. (وَشُرِطَ) لِرُجُوعِ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ، شَرْطٌ فِي الْمُفْلِسِ وَالْبَائِعِ، وَشَرْطٌ فِي الْعِوَضِ، وَأَرْبَعَةٌ فِي الْعَيْنِ، وَإِلَى الْأَوَّلِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (كَوْنُ) كُلٍّ مِنْ (مُفْلِسٍ وَبَائِعٍ حَيًّا) إلَى أَخْذِهَا. جَزَمَ فِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّ لِلْبَائِعِ أَخْذُهَا دُونَ وَرَثَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ حَيًّا؛ إذْ لَا رُجُوعَ لِلْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا (إلَى أَخْذِهَا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا، فَوَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد مُسْنَدًا، وَقَالَ: حَدِيثُ مَالِكٍ أَصَحُّ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ مِنْ الْمُفْلِسِ إلَى الْوَرَثَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ.
(وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي: (بَقَاءُ كُلِّ عِوَضِهَا)؛ أَيْ: الْعَيْنِ (فِي ذِمَّتِهِ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلِمَا فِي الرُّجُوعِ مِنْ قِسْطِ بَاقِي الْعِوَضِ مِنْ التَّشْقِيصِ وَإِضْرَارِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَرْغَبُ فِيهِ كَالرَّغْبَةِ فِي الْكَامِلِ، (لَا إنْ دَفَعَ) الْمُفْلِسُ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ شَيْئًا، (أَوْ أُبْرِئَ مِنْ بَعْضِهِ)؛ أَيْ: الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ أَوْ الْقَرْضِ أَوْ السَّلَمِ، فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ (كَوْنُ كُلِّهَا)؛ أَيْ: السِّلْعَةِ (فِي مِلْكِهِ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ، فَلَا رُجُوعَ إنْ تَلِفَ بَعْضُهَا أَوْ بِيعَ أَوْ وُقِفَ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ وَنَحْوَهُ إذَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَتَاعَهُ، وَإِنَّمَا أَدْرَكَ بَعْضَهُ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ بِأَخْذِ الْبَعْضِ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَانْقِطَاعُ مَا بَيْنَهُمَا، وَسَوَاءٌ رَضِيَ بِأَخْذِ الْبَاقِي بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ بِقِسْطِهِ؛ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، (إلَّا إذَا جَمَعَ الْعَقْدَ عَدَدًا)، كَثَوْبَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَيَأْخُذُ بَائِعٌ وَنَحْوُهُ مَعَ تَعَذُّرِ بَعْضِهِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَيْنِ السَّالِمَةِ نَصًّا؛ لِأَنَّ السَّالِمَ مِنْ الْعَيْنَيْنِ وَجَدَهُ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ، فَيُؤْخَذُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ لَا) يَجْمَعُ الْعَقْدُ عَدَدًا، (وَ) لَكِنْ (كَانَ) الْمَبِيعُ وَنَحْوُهُ (مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا)؛ كَقَفِيزِ بُرٍّ وَقِنْطَارِ حَدِيدٍ تَلِفَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَوْ نَحْوِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَيَأْخُذُ) بَائِعٌ وَنَحْوُهُ (مَعَ تَعَذُّرِ بَعْضِهِ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ بِتَلَفِ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ أَوْ بَعْضِهِ (مَا بَقِيَ)؛ أَيْ: الْعَيْنَ نَصًّا؛ لِأَنَّ السَّالِمَ مِنْ الْمَبِيعِ وَجَدَهُ الْبَائِعُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، (فَلَوْ رَهَنَ) أَوْ وَهَبَ أَوْ وَقَفَ (أَوْ بَاعَ أَحَدٌ عَبْدَيْنِ؛ رَجَعَ) الْبَائِعُ (فِي) الْعَبْدِ (الْآخَرِ)، فَيَأْخُذُهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الثَّمَنِ يُقَسَّطُ عَلَى الْمَبِيعِ، فَيَقَعُ الْقَبْضُ مِنْ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعَيْنَيْنِ، وَقَبْضُ شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ مَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِيهِ مُبْطِلٌ لَهُ، بِخِلَافِ التَّلَفِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَلَفِ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ تَلَفُ شَيْءٍ مِنْ الْعَيْنِ الْأُخْرَى، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ (إنْ رَهَنَ) الْمُشْتَرِي، (أَوْ بَاعَ بَعْضَ الْعَبْدِ)، لِمَا ذَكَرْنَا.
(وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ (كَوْنُ الْعَيْنِ بِحَالِهَا)؛ [بِأَنْ لَمْ تَنْقُصْ] مَالِيَّتُهَا لِذَهَابِ صِفَةٍ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا؛ بِأَنْ (لَمْ تُوطَأْ بِكْرٌ، وَلَمْ يُجْرَحْ قِنٌّ بِمَا)؛ أَيْ: جُرْحٍ (يُنْقِصُ بِهِ قِيمَتَهُ)، فَإِنْ وُطِئَتْ، أَوْ جُرِحَ؛ فَلَا رُجُوعَ لِذَهَابِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ لَهُ بَدَلٌ، وَهُوَ الْمَهْرُ وَالْأَرْشُ، فَمَنْعُ الرُّجُوعِ؛ كَقَطْعِ الْيَدِ، بِخِلَافِ وَطْءٍ يَثْبُتُ بِلَا حَمْلٍ وَهُزَالٍ وَنِسْيَانِ صَنَعَةٍ، (وَ) بِأَنْ (لَمْ تُخْلَطْ بِغَيْرِ تَمَيُّزٍ)، فَإِنْ خَلَطَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ؛ فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ، بِخِلَافِ خَلْطِ نَحْوِ بُرٍّ بِحِمَّصٍ؛ فَلَا أَثَرَ لَهُ، (وَ) بِأَنْ (لَمْ تَتَغَيَّرْ صَنْعَتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا؛ كَنَسْجِ غَزْلٍ وَخَبْزِ دَقِيقٍ)؛ أَيْ: جَعْلِهِ خُبْزًا (وَجَعْلِ دُهْنٍ) كَزَيْتٍ (صَابُونًا) وَشَرِيطٍ إبَرًا وَنَحْوَهُ، وَقَطْعِ ثَوْبٍ قَمِيصًا وَنَحْوَهُ، فَإِنْ جُعِلَ كَذَلِكَ؛ فَلَا رُجُوعَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) الشَّرْطُ الْخَامِسُ (كَوْنُهَا)؛ أَيْ السِّلْعَةِ (لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ كَشُفْعَةٍ) قَبْلَ طَلَبٍ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ شُفْعَةٍ؛ فَلَا رُجُوعَ لِسَبْقِ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ، وَحَقُّ الْبَائِعِ ثَبَتَ بِالْحَجْرِ، وَالسَّابِقُ أَوْلَى (وَكَجِنَايَةٍ)؛ بِأَنْ كَانَ قِنًّا، فَجَنَى عَلَى الْمُفْلِسِ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَمْنَعُهُ، وَحَقُّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ (وَرَهْنٍ)؛ كَمَا لَوْ رَهَنَ الْمُفْلِسُ الْمَبِيعِ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى حَقِّ الْبَائِعِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ عَقَدَ قَبْلَ الْحَجْرِ عَقْدًا مَنَعَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَمُنِعَ بَاذِلُهُ الرُّجُوعَ فِيهِ؛ كَالْهِبَةِ، وَلِأَنَّ رُجُوعَهُ إضْرَارٌ بِالْمُرْتَهِنِ، وَلَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، فَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ دُونَ قِيمَةِ الرَّهْنِ؛ بِيعَ كُلُّهُ، وَرُدَّ بَاقِي ثَمَنِهِ فِي الْمُقْسَمِ، وَإِنْ: بِيعَ بَعْضُهُ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ؛ فَبَاقِيهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، (وَإِنْ أَسْقَطَهُ)؛ أَيْ: الْحَقَّ (رَبُّهُ) كَإِسْقَاطِ الشَّفِيعِ شُفْعَتَهُ، وَوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَرْشَهَا، وَرَدِّ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ (فَكَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ) بِالْعَيْنِ الْحَقُّ؛ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا لِوُجْدَانِهَا بِعَيْنِهَا خَالِيَةً مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهَا، (وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ) صِبْغًا، فَصَبَغَ الْمُشْتَرِي بِهِ ثِيَابًا وَحَجَرَ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَتْ زَيْتًا، فَلَتَّ بِهِ سَوِيقًا، أَوْ كَانَتْ (مَسَامِيرَ فَسَمَّرَ بِهَا) بَابًا، (أَوْ) كَانَتْ (حَجَرًا، فَبَنَى عَلَيْهَا) بُنْيَانًا، (أَوْ) (كَانَتْ خَشَبًا، فَسَقَفَ بِهَا) سَقْفًا؛ (فَلَا رُجُوعَ) لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَغَلَ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ، فَلَمْ يَمْلِكْ بَائِعُهُ الرُّجُوعَ فِيهِ، (وَإِنْ اشْتَرَى دُفُوفًا).- جَمْعُ دُفٍّ- أَيْ: أَلْوَاحَ خَشَبٍ (وَمَسَامِيرَ مِنْ وَاحِدٍ، وَسَمَّرَهَا بِهَا)؛ أَيْ: بِالْمَسَامِيرِ؛ (رَجَعَ) بَائِعُهُمَا (فِيهِمَا)؛ أَيْ: الدُّفُوفِ وَالْمَسَامِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ.
(وَ) الشَّرْطُ السَّادِسُ (كَوْنُهَا)؛ أَيْ: السِّلْعَةِ (لَمْ تَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ). (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ تَعَلُّمُ صَنْعَةٍ (مُبَاحَةٍ) كَقِرَاءَةٍ وَكِتَابَةٍ وَتِجَارَةٍ وَتَجَدُّدِ حَمْلٍ فِي بَهِيمَةٍ، فَإِنْ زَادَتْ كَذَلِكَ؛ فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ رَبُّ الْعَيْنِ أَخْذَهَا مِنْهُ كَغَيْرِهَا مِنْ أَمْوَالِهِ، وَيُفَارِقُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عَلَى صِفَتِهِ لَيْسَ بِزَائِدٍ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالزِّيَادَةِ، وَأَمَّا الصَّنْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ كَالْغِنَاءِ وَالشِّطْرَنْجِ وَآلَةِ الشَّعْبَذَةِ وَنَحْوِهَا، فَلَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ؛ إذْ وُجُودُهَا كَلَا وُجُودٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ)؛ أَيْ: الْمُدْرِكِ لِمَتَاعِهِ عِنْدَ الْمُفْلِسِ بِشَرْطِهِ (بِقَوْلٍ؛ كَرَجَعْتُ فِي مَتَاعِي أَوْ أَخَذْتُهُ) أَوْ اسْتَرْجَعْتُهُ أَوْ فَسَخْتُ الْبَيْعَ إنْ كَانَ مَبِيعًا، (وَلَوْ مُتَرَاخِيًا)؛ كَرُجُوعِ أَبٍ فِي هِبَةٍ، فَلَا يَحْصُلُ رُجُوعُهُ بِفِعْلٍ كَأَخْذِ الْعَيْنِ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الرُّجُوعَ (بِلَا حَاكِمٍ)؛ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ؛ كَفَسْخِ الْمُعْتَقَةِ (فَسْخٌ)؛ أَيْ: رُجُوعُ مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ، (وَهُوَ)؛ أَيْ؛ كَالْفَسْخِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ ثَمَّ عَقْدٌ يُفْسَخُ؛ كَاسْتِرْجَاعِ زَوْجٍ الصَّدَاقَ إذَا فُسِخَ النِّكَاحُ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُهُ؛ كَفَسْخِ الْمَرْأَةِ لِعَيْبِهِ قَبْلَ فَلَسِهَا، وَكَانَتْ بَاعَتْهُ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَيَرْجِعُ إلَى مِلْكِهِ قَهْرًا حَيْثُ اسْتَمَرَّ فِي مِلْكِهَا بِصِفَتِهِ (لَا يَحْتَاجُ) الْفَسْخَ (لِمَعْرِفَةِ) مَرْجُوعٍ فِيهِ، (وَ) لَا إلَى (قُدْرَةِ) مُفْلِسٍ (عَلَى تَسْلِيمٍ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ. (فَلَوْ رَجَعَ فِي) قِنٍّ (آبِقٍ؛ صَحَّ) رُجُوعُهُ، (وَصَارَ) الْآبِقُ (لَهُ)؛ أَيْ: الرَّاجِعُ، (فَإِنْ قَدَرَ)، الرَّاجِعُ عَلَى الْآبِقِ (أَخَذَهُ، وَإِنْ) عَجَزَ عَنْهُ أَوْ (تَلِفَ) بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَهُوَ (مِنْ مَالِهِ)؛ أَيْ: الرَّاجِعِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِالرُّجُوعِ، (وَإِنْ بَانَ تَلَفُهُ حِينَ رَجَعَ)؛ بِأَنْ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ؛ (بَطَلَ اسْتِرْجَاعُهُ)؛ أَيْ: ظَهَرَ بُطْلَانُهُ؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْفَسْخِ. (وَإِنْ رَجَعَ بِشَيْءٍ اشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ)؛ بِأَنْ رَجَعَ فِي عَبْدٍ مَثَلًا وَلَهُ عَبِيدٌ، وَاخْتَلَفَ الْمُفْلِسُ وَرَبُّهُ فِيهِ؛ (قُدِّمَ تَعْيِينُ مُفْلِسٍ)؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الرَّاجِعِ؛ وَالْأَصْلُ مَعَهُ. (وَمَنْ رَجَعَ)؛ أَيْ: أَرَادَ الرُّجُوعَ (فِيمَا)؛ أَيْ: بِيعَ (ثَمَنُهُ مُؤَجَّلٌ أَوْ فِي صَيْدٍ وَهُوَ)؛ أَيْ: الرَّاجِعُ (مُحْرِمًا لَمْ يَأْخُذْهُ)؛ أَيْ: مَا ثَمَنُهُ مُؤَجَّلٌ (قَبْلَ حُلُولِهِ) قَالَ أَحْمَدُ: يَكُونُ مَالُهُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَحِلَّ دَيْنُهُ، فَيَخْتَارُ الْفَسْخَ أَوْ التَّرْكَ؛ أَيْ: فَلَا يُبَاعُ فِي الدُّيُونِ الْحَالَّةِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ بِعَيْنِهِ. (وَلَا) يَأْخُذُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ (حَالَ إحْرَامِهِ)؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ تَمْلِيكٌ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ الْإِحْرَامِ؛ كَشِرَائِهِ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا وَالْمُفْلِسُ مُحْرِمًا، لَمْ يُمْنَعْ بَائِعُهُ أَخْذَهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ؛ (وَوَقَفَ) الصَّيْدَ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إرْثٍ. (وَيَتَّجِهُ لَوْ تَلِفَ) مَا ثَمَنُهُ مُؤَجَّلٌ (قَبْلَ) حُلُولِ أَجَلِهِ (فَمِنْ) ضَمَانِ (مُفْلِسٍ)، وَهَذَا مَفْهُومُ مَنْصُوصِ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ: يَكُونُ مَالُهُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَحُلَّ دَيْنُهُ، فَيَخْتَارُ الْفَسْخَ أَوْ التَّرْكَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَمْنَعُهُ)؛ أَيْ: الرُّجُوعُ (نَقْصَ) سِلْعَةٍ؛ (كَهُزَالٍ وَجُنُونٍ وَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ) وَمَرَضٍ وَتَزْوِيجٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْنَ مَالِهِ، وَمَتَى أَخَذَهُ نَاقِصًا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ، وَإِلَّا ضَرَبَ بِثَمَنِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَتَقَسَّطُ عَلَى صِفَةِ سِلْعَةٍ مَنْ سِمَنٍ أَوْ هُزَالٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَيَصِيرُ كَنَقْصِهِ؛ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ. (وَلَا) يَمْنَعُهُ أَيْضًا (صَبْغُ ثَوْبٍ أَوْ قَصْرُهُ) وَلَتُّ سَوِيقٍ بِدُهْنٍ؛ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ قَائِمَةً مُشَاهَدَةً لَمْ يَتَغَيَّرْ اسْمُهَا. (وَلَوْ نَقَصَ) الثَّوْبُ (بِهِمَا)؛ أَيْ: الصَّبْغِ وَالْقَصْرِ. هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّقْصَ نَقْصُ صِفَةٍ، فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ؛ كَنِسْيَانِ صِفَةٍ وَهُزَالِ عَبْدٍ.
قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ: الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: إذَا صُبِغَ الثَّوْبُ أَوْ لُتَّ السَّوِيقُ بِزَيْتٍ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لِبَائِعِ الثَّوْبِ وَالسَّوِيقِ الرُّجُوعُ فِي أَعْيَانِ أَمْوَالِهِمَا، (خِلَافًا لَهُمَا)؛ أَيْ: الْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ حَيْثُ جَزَمَا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ، مَا لَمْ يَنْقُصْ الثَّوْبُ بِهِمَا (وَالزِّيَادَةُ) عَنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ الْحَاصِلَةِ (بِصَبْغِهِ أَوْ قَصْرِهِ) أَوْ عَنْ قِيمَةِ السَّوِيقِ بِاللَّتِّ؛ (لِمُفْلِسٍ)؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ فِي مِلْكِهِ، فَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ فِيمَا زَادَ عَنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ وَالسَّوِيقِ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِصَارَةُ بِفِعْلِ الْمُفْلِسِ أَوْ بِأُجْرَةٍ وَفَّاهَا؛ فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي الثَّوْبِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْبَائِعُ دَفْعَ قِيمَةِ الزِّيَادَةِ إلَى الْمُفْلِسِ؛ لَزِمَهُ قَبُولُهَا، لِأَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ بَيْعَ الثَّوْبِ، وَأَخَذَ كُلٌّ قَدْرَ حَقِّهِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الثَّوْبُ بِخَمْسَةٍ، فَصَارَ يُسَاوِي سِتَّةً؛ فَلِلْمُفْلِسِ سُدُسُهُ وَلِلْبَائِعِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ صَانِعٍ لَمْ يَسْتَوْفِ أَجْرَهُ؛ فَلَهُ حَبْسُ الثَّوْبِ عَلَى اسْتِيفَاءِ أُجْرَتِهِ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ. (وَلَوْ كَانَ الصَّبْغُ وَالثَّوْبُ لِوَاحِدٍ)، وَاشْتَرَاهُمَا مِنْهُ وَصَبَغَ الثَّوْبَ بِالصِّبْغِ، وَحَجَرَ عَلَيْهِ؛ (رَجَعَ) الْبَائِعُ (فِي الثَّوْبِ وَحْدَهُ، وَيَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا) لِلْبَائِعِ بِزِيَادَةِ الصِّبْغِ، (وَيَضْرِبُ رَبُّ الصِّبْغِ بِثَمَنِ الصِّبْغِ مَعَ الْغُرَمَاءِ)؛ كَمَا لَوْ كَانَا لِاثْنَيْنِ؛ (وَلَا) يَمْنَعُهُ (زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ)؛ كَثَمَرَةٍ وَكَسْبٍ وَوَلَدٍ، نَقَصَ بِهَا الْمَبِيعُ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ إنْ كَانَ نَقْصُ صِفَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ لَمْ تَنْقُصْ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ اسْمُهَا، (وَهِيَ)؛ أَيْ: الزِّيَادَةُ (لِرَاجِعٍ)- وَهُوَ الْبَائِعُ- (نَصَّ عَلَيْهِ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَنِتَاجِ الدَّابَّةِ)، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَالْخِلَافِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ (وَاسْتَظْهَرَ فِي التَّنْقِيحِ رِوَايَةَ كَوْنِهَا)؛ أَيْ: الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ (لِمُفْلِسٍ). هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي فِي رِوَايَتِهِ وَالْمُجَرَّدِ وَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَابْنِ عَقِيلٍ. (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ)؛ أَيْ: كَوْنُ الزِّيَادَةِ لِلْمُفْلِسِ (الصَّحِيحُ) قَالَ الشَّارِحُ هَذَا أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُتَّصِلَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا تُتَّبَعُ فِي الْفُسُوخِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ الْمُتَّصِلَةِ. قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا خِلَافٌ لِظُهُورِهِ. (وَحَمَلَ الْمُوَفَّقُ) فِي مُغْنِيهِ (النَّصَّ) الْمَذْكُورَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ- مِنْ كَوْنِ وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَنِتَاجِ الدَّابَّةِ لِبَائِعٍ- (عَلَى بَيْعِهَا حَالَ حَمْلِهَا، فَكَانَا مَبِيعَيْنِ) حِينَئِذٍ، وَلِهَذَا خَصَّ هَذَيْنِ بِالذِّكْرِ دُونَ بَقِيَّةِ النَّمَاءِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَمْنَعُ رُجُوعَهُ (غَرْسُ أَرْضٍ بِيعَتْ وَبِنَاءٌ) حَدَثَ (فِيهَا)؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ؛ كَالثَّوْبِ إذَا صُبِغَ، (فَإِنْ رَجَعَ) رَبُّ أَرْضٍ فِيهَا (قَبْلَ قَلْعِ) غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ (وَاخْتَارَهُ)؛ أَيْ: الْقَلْعَ (غَرِيمٌ؛ ضَمِنَ نَقْصًا حَصَلَ بِقَلْعٍ وَيُسَوِّي حَفْرًا)، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى غَرْسًا وَغَرَسَهُ بِأَرْضِهِ أَوْ أَرْضٍ اشْتَرَاهَا مِنْ آخَرَ، ثُمَّ أَفْلَسَ، بِخِلَافِ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ نَاقِصَةً، فَرَجَعَ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي النَّقْصِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ، وَهُنَا حَدَثَ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْعَيْنِ، فَلِهَذَا ضَمِنُوهُ وَيَضْرِبُ بِالنَّقْصِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. (وَلِمُفْلِسٍ مَعَ الْغُرَمَاءِ الْقَلْعُ) لِغَرْسٍ وَبِنَاءٍ، (وَيُشَارِكُهُمْ رَاجِعٌ) فِي الْأَرْضِ بِأَرْشِ (نَقْصِ أَرْضِهِ؛ لِحُصُولِهِ)؛ أَيْ: النَّقْصِ (بِتَخْلِيصِ مِلْكِ مُفْلِسٍ)، فَكَانَ عَلَيْهِ، (وَيَضْرِبُ بِهِ)؛ أَيْ: أَرْشِ النَّقْصِ (مَعَ الْغُرَمَاءِ)؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْغِرَاسِ وَلَا الْبِنَاءِ، (فَإِنْ أَبَوْهُ)؛ أَيْ: أَبَى الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ؛ (لَمْ يُجْبَرُوا) عَلَيْهِ؛ لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ، (وَ) حِينَئِذٍ (فَلِرَاجِعٍ) فِي أَرْضِهِ (الْقَلْعُ) لِلْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ، (وَيَضْمَنُ النَّقْصَ)، لِأَنَّهُمَا حَصَلَا فِي مِلْكِهِ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ؛ كَالشَّفِيعِ وَالْمُعِيرِ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَلِرَاجِعٍ (أَخْذُ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ بِقِيمَتِهِ)، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ؛ كَالْمُؤَجِّرِ إذَا أَخَذَ الْأَرْضَ وَفِيهَا غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ، (فَإِنْ أَبَاهُمَا)؛ أَيْ: أَبَى مَنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِي الْأَرْضِ الْقَلْعَ مَعَ ضَمَانِ النَّقْصِ؛ وَأَخْذِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ (أَيْضًا)؛ أَيْ مَعَ إبَاءِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ الْقَلْعَ؛ (سَقَطَ رُجُوعُهُ)؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَى الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الثَّوْبِ إذَا صُبِغَ حَيْثُ يَرْجِعُ رَبُّ الثَّوْبِ بِهِ، وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْمُفْلِسِ بِزِيَادَةِ الصِّبْغِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ إذَا غُرِسَتْ أَوْ بُنِيَتْ حَيْثُ يَسْقُطُ رُجُوعُهُ بِإِبَاءِ، مَا سَبَقَ بِأَنَّ الصِّبْغَ يَتَفَرَّقُ فِي الثَّوْبِ، فَيَصِيرُ كَالصِّفَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَإِنَّهُمَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ وَأَصْلَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا، وَالثَّوْبُ لَا يُرَادُ لِلْإِبْقَاءِ، بِخِلَافِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ. [وَلَوْ اشْتَرَى] (أَرْضًا مِنْ شَخْصٍ، وَ) اشْتَرَى (غِرَاسًا مِنْ) شَخْصٍ (آخَرَ، فَغَرَسَهُ فِيهَا)، ثُمَّ أَفْلَسَ، (وَلَمْ يَزِدْ) الْغِرَاسُ؛ (فَلِكُلٍّ) مِنْ الْبَائِعَيْنِ (الرُّجُوعُ فِي) عَيْنِ (مَالِهِ، وَلِذِي أَرْضٍ قَلْعُ غِرَاسٍ بِلَا ضَمَانِهِ)؛ أَيْ: الْغِرَاسِ (لِيَبِيعَهُ مَقْلُوعًا، وَعَكْسُهُ)؛ بِأَنْ قَلَعَهُ بَائِعُهُ (يَضْمَنُ) الْبَائِعُ أَرْشَ (نَقْصِ أَرْضٍ) حَصَلَ بِقَلْعِهِ، وَتَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ، فَإِنْ بَذَلَ صَاحِبُ الْغِرَاسِ قِيمَةَ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا؛ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الْعَكْسِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْقَلْعِ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. (وَلَوْ زَرَعَ) الْمُشْتَرِي (الْأَرْضَ) الَّتِي اشْتَرَاهَا، ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي؛ (بَقِيَ الزَّرْعُ لِمُفْلِسٍ مَجَّانًا)؛ أَيْ: بِلَا أُجْرَةٍ (لِحَصَادٍ)؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ اتَّفَقَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى التَّرْكِ أَوْ الْقَطْعِ؛ جَازَ؛ فَإِنْ اخْتَلَفُوا- وَلَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَطْعِ- قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ يَطْلُبُهُ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إذَا اشْتَرَى غِرَاسًا، فَغَرَسَهُ فِي أَرْضِهِ، ثُمَّ أَفْلَسَ، وَلَمْ يَزِدْ الْغَرْسُ؛ فَلِبَائِعِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ؛ لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَأَرْشُ نَقْصِهَا، فَإِنْ بَذَلَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ لَهُ الْقِيمَةَ؛ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى قَبُولِهَا، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَلْعِ، فَبَذَلُوا الْقِيمَةَ لَهُ لِيَمْتَلِكَهُ الْمُفْلِسُ، وَأَرَادُوا قَلْعَهُ وَضَمَانَ النَّقْصِ؛ فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ أَرَادُوا قَلْعَهُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ فِي الْأَصَحِّ. (وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ مَدِينًا أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ؛ فَمُشْتَرٍ أَحَقُّ بِمَبِيعِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ- وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ) نَصًّا- لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْبَيْعِ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مُنَازَعَتَهُ فِيهِ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ بَائِعُهُ مَدِينًا، (لَا إنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَالسِّلْعَةُ بِيَدِ بَائِعٍ)؛ فَيَصِيرُ الْبَائِعُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ يَضْرِبُ لَهُ مَعَهُمْ بِالثَّمَنِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ. (وَيَتَّجِهُ هُنَا) الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا إلَى آخِرِهِ؛ يَضْرِبُ لِلْبَائِعِ مَعَ الْغُرَمَاءِ (فِي إفْلَاسٍ طَرَأَ بَعْدَ شِرَاءٍ)، وَإِلَّا يَطْرَأُ الْإِفْلَاسُ بَعْدَ الشِّرَاءِ، بَلْ كَانَ مُفْلِسًا قَبْلَ ذَلِكَ- وَجَهِلَ الْبَائِعُ ذَلِكَ- (فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَاسِعِ أَقْسَامِ الْخِيَارِ: أَنَّ ظُهُورَ إعْسَارِ الْمُشْتَرِي) بِبَعْضِ الثَّمَنِ؛ (يَثْبُتُ بِهِ الْفَسْخُ مُطْلَقًا)؛ أَيْ: سَوَاءٌ هَرَبَ الْمُشْتَرِي، أَوْ لَمْ يَهْرُبْ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ: لَوْ بَاعَ سِلْعَةً، فَبَانَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَالسِّلْعَةُ بِيَدِ الْبَائِعِ؛ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّ إطْلَاقَ مَا مَرَّ) فِي الْخِيَارِ (مِنْ كَوْنِ مُفْلِسٍ وَبَائِعٍ حَيًّا إلَى أَخْذِهَا)؛ أَيْ: السِّلْعَةِ (مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا). وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (الثَّالِثُ): مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَجْرِ (أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ قِسْمُ مَالِهِ)؛ أَيْ:- الْمُفْلِسِ (الَّذِي مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ) الَّذِي عَلَيْهِ (كَنَقْدٍ وَمَكِيلٍ) وَتَوْزِيعُهُ فَوْرًا عَلَى الْغُرَمَاءِ، (وَ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ (بَيْعُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ غَالِبِهِ رَوَاجًا أَوْ الْأَصْلَحِ أَوْ الَّذِي مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ (فِي سُوقِهِ نَدْبًا)؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ لِطُلَّابِهِ وَأَحْوَطُ (أَوْ غَيْرِهِ)؛ أَيْ: غَيْرِ سُوقِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَحْصِيلُ الثَّمَنِ كَالْوَكَالَةِ (بِثَمَنِ مِثْلِهِ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ الْمُسْتَقِرِّ فِي وَقْتِهِ (فَأَكْثَرَ) مِنْهُ إنْ حَصَلَ فِيهِ رَاغِبٌ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ بَاعَهُ (بِدُونِهِ)؛ أَيْ: دُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ؛ (فَلَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ الْمُسْتَقِرِّ فِي وَقْتِهِ أَوْ أَكْثَرَ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فَلَا يَتَصَرَّفُ لَهُ فِيهِ إلَّا بِمَا فِيهِ حَظٌّ كَمَالِ السَّفِيهِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَضْمَنُ النَّقْصَ (وَقِسْمَهُ)؛ أَيْ: الثَّمَنَ (فَوْرًا)؛ لِأَنَّ هَذَا جُلُّ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَتَأْخِيرُهُ مَطْلٌ وَظُلْمٌ لِلْغُرَمَاءِ، «وَلَمَّا حَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ بَاعَ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ، وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ» وَلِفِعْلِ عُمَرَ، وَلِاحْتِيَاجِهِ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ، فَجَازَ لِبَيْعِ مَالِهِ فِيهِ كَالسَّفِيهِ. (وَيَتَّجِهُ وَلِلْحَاكِمِ فِي غَيْرِ) دَيْنٍ (سُلِّمَ مَعَ رِضَا مُفْلِسٍ وَغُرَمَاءَ تَعْوِيضُهُمْ)؛ أَيْ: الْغُرَمَاءَ (بِالْقِيمَةِ).- كَذَا قَالَ وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ فَإِنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ مِنْ نِسَبِ الْأَثْمَانِ، فِيهِمْ مِنْ دَيْنِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ، وَلَيْسَ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ مِنْ جِنْسِهِ، وَرَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضَهُ مِنْ الْأَثْمَانِ جَازَ، فَظَهَرَ، عَلَى أَنَّ الْإِيهَامَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْمُنْتَهَى فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ رَأْسًا- حَيْثُ لَا مَحْظُورَ فِي الِاعْتِيَاضِ، (خِلَافًا لَهُمَا)؛ أَيْ: لِلْمُنْتَهَى ووَالْإِقْنَاعِ (فِيمَا يُوهَمُ). (وَسُنَّ) [إحْضَارُهُ]؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ (الْبَيْعَ)؛ أَيْ: بَيْعَ مَالِهِ لِيَضْبِطَ الثَّمَنَ، وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْجَيِّدِ مِنْ مَتَاعِهِ، فَيَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِهِ، وَوَكِيلُهُ كَهُوَ، وَلَا يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ إلَى اسْتِئْذَانِهِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَجَازَ بَيْعُ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالسَّفِيهِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إحْضَارُهُ أَوْ وَكِيلُهُ (مَعَ) إحْضَارِ (غُرَمَائِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِقُلُوبِهِمْ، وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ، وَرُبَّمَا وَجَدَ أَحَدُهُمْ عَيْنَ مَالِهِ، أَوْ رَغِبَ فِي شَيْءٍ فَزَادَ فِي ثَمَنِهِ.
(وَ) سُنَّ (بَدْءٌ بِأَقَلِّهِ)؛ أَيْ: الْمَالِ (بَقَاءً كَفَاكِهَةٍ)؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا إضَاعَةٌ لَهَا، (وَ) أَنْ يَبْدَأَ (بِأَكْثَرِهِ كَبَهَائِمَ)؛ لِاحْتِيَاجِ بَقَائِهَا إلَى مُؤْنَةٍ، وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ، وَعُهْدَةُ مَبِيعٍ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا عَلَى مُفْلِسٍ فَقَطْ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. (وَإِنْ زِيدَ فِي السِّلْعَةِ مُدَّةَ خِيَارٍ؛ لَزِمَ) أَمِينَ الْحَاكِمِ (الْفَسْخُ)؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ بَيْعُهُ بِثَمَنٍ فَلَمْ يَجُزْ إمْضَاؤُهُ بِدُونِهِ؛ كَمَا لَوْ زِيدَ فِيهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، (وَ) إنْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ (بَعْدَهَا)؛ أَيْ: بَعْدَ مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ (فَلَا) يَلْزَمُ فَسْخُ الْعَقْدِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْمُشْتَرِي الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَنَةٌ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمُفْلِسِ وَدَفْعِ حَاجَتِهِ. (وَيَجِبُ) عَلَى حَاكِمٍ أَوْ أَمِينِهِ (تَرْكُ مَا يَحْتَاجُهُ مُفْلِسٌ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ) صَالِحَيْنِ (لِمِثْلِهِ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا غِنَى لَهُ عَنْهُ، فَلَمْ يُبَعْ فِي دَيْنِهِ كَلِبَاسِهِ وَقُوتِهِ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ». قَضِيَّةُ عَيْنٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيمَا وَجَدُوهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ، (مَا لَمْ يَكُونَا)؛ أَيْ: الْمُفْلِسُ وَالْخَادِمُ (عَيْنَ مَالِ غَرِيمٍ)؛ فَلَهُ أَخْذُهُمَا لِلْخَبَرِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (أَوْ) مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ (رَهْنًا)، فَإِنْ كَانَ رَهْنًا فَلِلْمُرْتَهِنِ اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَهُوَ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ الْمُفْلِسِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَشْتَرِي) لِلْمُفْلِسِ بَدَلَهُمَا، (أَوْ يَتْرُكُ لَهُ) مِنْ مَالٍ (بَدَلَهُمَا) دَفْعًا لِحَاجَتِهِ، (وَبِبَدَلٍ أَعْلَى) مِمَّا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَثَوْبٍ وَغَيْرِهِمَا (بِصَالِحٍ) لِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ.
(وَ) يَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ لِلْمُفْلِسِ أَيْضًا (مَا)؛ أَيْ: شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ (يَتَّجِرُ بِهِ) إنْ كَانَ تَاجِرًا، (وَ) تُتْرَكُ لَهُ أَيْضًا (آلَةُ مُحْتَرِفٍ) إنْ كَانَ ذَا صَنْعَةٍ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ-: يَتْرُكُ لَهُ قَدْرَ مَا يُقَوِّمُ مَعَاشَهُ، وَيُبَاعُ الْبَاقِي (وَيَجِبُ لَهُ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ (وَلِعِيَالِهِ) مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلَدٍ وَنَحْوِهِ (أَدْنَى نَفَقَةً مِثْلَهُمْ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَكِسْوَةٍ) بَيَانٌ لَمَا يُنْفَقُ عَلَى مِثْلِهِمْ، (وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسَ (نَفَقَةُ قَرِيبٍ بِشَرْطِ) الْآتِي فِي النَّفَقَاتِ (لِيَسَارِهِ) حَالًا (بِالنِّسْبَةِ لَمَا فِي يَدِهِ) مِنْ مَالِهِ، فَإِذَا وُزِّعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا مَا يَكْفِيهِ سَقَطَتْ.
(وَ) يَجِبُ (تَجْهِيزٌ) مِمَّنْ تَلْزَمُ الْمُفْلِسَ نَفَقَتُهُ غَيْرَ زَوْجَةٍ (مِنْ مَالِهِ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ بِمَعْرُوفٍ (حَتَّى يُقْسَمَ) مَالُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، (وَيُكَفَّنُ) الْمُفْلِسُ الذَّكَرُ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ الذُّكُورِ (فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ) بِيضٍ مِنْ قُطْنٍ مَلْبُوسٍ مِثْلُهُ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْأُنْثَى فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ كَذَلِكَ، (وَقُدِّمَ فِي الرِّعَايَةِ) يُكَفَّنُ (فِي) ثَوْبٍ (وَاحِدٍ) اقْتِصَارًا عَلَى الْوَاجِبِ. (وَأُجْرَةِ دَلَّالٍ وَنَحْوِهِ) كَسِمْسَارٍ وَكَيَّالٍ وَوَازِنٍ وَحَمَّالٍ وَحَافِظٍ (لَمْ يَتَبَرَّعْ) وَاحِدٌ بِعَمَلِهِ (مِنْ الْمَالِ)؛ أَيْ: مَالِ الْمُفْلِسِ مُقَدَّمَةً عَلَى دُيُونِ الْغُرَمَاءِ (قَبْلَ قِسْمَةٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ عَلَى الْمُفْلِسِ؛ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ. (وَإِنْ عَيَّنَ مُفْلِسٌ وَغَرِيمٌ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً (مُنَادِيًا؛ أَيْ: سِمْسَارًا غَيْرَ ثِقَةٍ؛ رَدَّهُ حَاكِمٌ، بِخِلَافِ بَيْعِ مَرْهُونٍ) عَيْنَ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ لَهُ مُنَادِيًا؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ نَظَرًا فِي بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ؛ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ، (فَإِنْ اخْتَلَفَ تَعْيِينُهُمَا) بِأَنْ عَيَّنَ الْمُفْلِسُ زَيْدًا وَالْغَرِيمُ عَمْرًا مَثَلًا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثِقَةٌ؛ (ضَمَّهُمَا) حَاكِمٌ (إنْ تَبَرَّعَا) بِعَمَلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى أَحَدٍ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَبَرَّعَا وَلَا أَحَدُهُمَا؛ (قَدَّمَ) الْحَاكِمُ (مَنْ شَاءَ) مِنْهُمَا، فَإِنْ تَطَوَّعَ أَحَدُهُمَا؛ قُدِّمَ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَرُ (وَيُبْدَأُ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ-؛ أَيْ: يَبْدَأُ الْحَاكِمُ فِي قَسْمِ مَالِهِ (بِمَنْ جَنَى عَلَيْهِ) حُرًّا كَانَ أَوْ قِنًّا (قِنُّ مُفْلِسٍ)؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِ الْجَانِي بِحَيْثُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ، بِخِلَافِ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ الْمُفْلِسُ؛ فَإِنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِذِمَّتِهِ، (فَيُعْطَى)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- (الْأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ)؛ أَيْ الْجَانِي (أَوْ) الْأَقَلَّ مِنْ (الْأَرْشِ)، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةً وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ؛ أُعْطِيَ الْعَشَرَةَ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ؛ أُعْطِيَ أَيْضًا الْعَشَرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي لِلْمُقَسِّمِ، مَا لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ أَمْرِهِ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ كُلِّهَا، وَيَضْرِبُ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ السَّيِّدُ هُوَ الْجَانِيَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَنْ كَالْآلَةِ. (ثُمَّ) يُبْدَأُ (بِمَنْ عِنْدَهُ رَهْنٌ) لَازِمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ (فَيُخَصُّ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- (بِثَمَنِهِ) إنْ كَانَ بِقَدْرِ دَيْنِهِ أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الرَّهْنِ وَذِمَّةِ الرَّاهِنِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ (فَإِنْ بَقِيَ) لِلْمُرْتَهِنِ (دَيْنٌ) بَعْدَ ثَمَنِ الرَّهْنِ؛ (حَاصَصَ) الْمُرْتَهِنُ (الْغُرَمَاءَ) بِالْبَاقِي لِمُسَاوَاتِهِ لَهُمْ فِيهِ، (وَإِنْ فَضُلَ عَنْهُ)؛ أَيْ: الدَّيْنُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ؛ (رُدَّ) الْفَاضِلُ (عَلَى الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ انْفَكَّ مِنْ الرَّهْنِ بِالْوَفَاءِ، فَصَارَ كَسَائِرِ مَالِ الْمُفْلِسِ، (ثُمَّ) يُبْدَأُ (بِمَنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ) اشْتَرَاهَا مِنْهُ الْمُفْلِسُ أَوْ نَحْوُهُ فَيَأْخُذُهَا بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (أَوْ) كَانَ (اسْتَأْجَرَ عَيْنًا)؛ كَعَبْدٍ وَدَارٍ (مِنْ مُفْلِسٍ قَبْلَ حَجْرٍ) عَلَيْهِ (فَيَأْخُذُهَا)؛ لِاسْتِيفَاءِ نَفْعِهَا مُدَّةَ إجَارَتِهِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَكَذَا مُؤَجِّرُ نَفْسِهِ لِلْمُفْلِسِ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ [مِنْ] مُدَّةِ الْإِجَارَةِ شَيْءٌ؛ فَلَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؛ لِدُخُولِهِ فِيمَا سَبَقَ. (وَتُبَاعُ) الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ بِاتِّفَاقِ الْغُرَمَاءِ مَعَ الْمُفْلِسِ عَلَى بَيْعِهَا (مَسْلُوبَةَ) الْمَنْفَعَةِ؛ لِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ بِحَالِهَا، وَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ فِي الْحَالِ، وَبَعْضُهُمْ التَّأْخِيرَ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، قُدِّمَ مَنْ طَلَبَ الْبَيْعَ فِي الْحَالِ، (وَإِنْ بَطَلَتْ) الْإِجَارَةُ (فِي) أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَوْ قَبْلَ دُخُولِهَا؛ ضُرِبَ لَهُ بِمَا عَجَّلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَ(فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ) لِنَحْوِ مَوْتِ الْعَبْدِ أَوْ انْهِدَامِ الدَّارِ، (ضُرِبَ لَهُ)؛ أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ (بِمَا بَقِيَ) لَهُ مِنْ أُجْرَةٍ عَجَّلَهَا؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّتَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ مَاتَا. (ثُمَّ يُقَسِّمُ) الْحَاكِمُ (الْبَاقِيَ) مِنْ الْمَالِ (عَلَى قَدْرِ دُيُونِ مَنْ بَقِيَ) مِنْ غُرَمَائِهِ تَسْوِيَةً لَهُمْ وَمُرَاعَاةً لِكَمِّيَّةِ حُقُوقِهِمْ؛ فَإِنْ قَضَى حَاكِمٌ أَوْ مُفْلِسٌ بَعْضَهُمْ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ؛ فَلَمْ يَصِحَّ اخْتِصَاصُهُمْ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ دَيْنُهُ غَيْرُ نَقْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِأَخْذِ عِوَضِهِ نَقْدًا؛ اُشْتُرِيَ لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ النَّقْدِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ؛ كَدَيْنٍ مُسْلَمٍ. (وَلَا يَلْزَمُهُمْ)؛ أَيْ: الْغُرَمَاءَ الْحَاضِرِينَ (بَيَانُ أَنْ لَا غَرِيمَ سِوَاهُمْ)؛ لِخَفَائِهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمَ الْغَرِيمِ فَإِنَّ الَّذِي يَقْبِضُهُ كُلُّ غَرِيمٍ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَسْتَفِيضُ أَمْرُهُ، وَلَا يَخْفَى غَالِبًا، فَلَا يَعْسُرُ بَيَانُهُ وَلَا إنْكَارُ وُجُودِهِ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَ مِلْكَ غَيْرِهِ، فَاحْتِيطَ بِزِيَادَةِ اسْتِظْهَارٍ. (وَيَتَّجِهُ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ تَحْلِيفُهُمْ)؛ أَيْ: الْغُرَمَاءِ عَلَى أَنْ لَا غَرِيمَ سِوَاهُمْ؛ لِجَوَازِ وُجُودِ غَرِيمٍ لَا يَعْلَمُونَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. ثُمَّ (إنْ ظَهَرَ رَبُّ) دَيْنٍ (حَالٍّ رَجَعَ عَلَى كُلِّ غَرِيمٍ بِقِسْطِهِ)؛ أَيْ: بِقَدْرِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَقَاسَمَهُمْ، فَيُقَاسَمُ إذَا ظَهَرَ؛ كَغَرِيمٍ يَظْهَرُ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ (وَلَمْ تَنْقَضِ الْقِسْمَةُ)؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا زَائِدًا عَنْ حَقِّهِمْ، وَإِنَّمَا تَبَيَّنَ فِيمَا قَبَضُوهُ مِنْ حَقِّهِمْ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ مَا قَبَضَهُ بِحِصَّتِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ بِالْحَجْرِ تَعَلَّقَ حَقُّ جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ فَتَخْصِيصُ بَعْضِهِمْ بَاطِلٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقَبْضِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ؛ إذْ الْمَدِينُ فِيهَا غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. وَفِي فَتَاوَى الْمُوَفَّقِ لَوْ وَصَلَ مَالُ الْغَائِبِ فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَيْنًا، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً إنْ طَالَبَا جَمِيعًا اشْتَرَكَا، وَإِنْ طَالَبَ أَحَدُهُمَا اُخْتُصَّ بِهِ؛ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ، وَعَدَمِ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ.
قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوع: وَمُرَادُهُ وَلَمْ يُطَالِبْ أَصْلًا، وَإِلَّا شَارَكَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ. (وَمَنْ دَيْنُهُ مُؤَجَّلٌ) مِنْ الْغُرَمَاءِ (لَا يَحِلُّ) نَصًّا، فَلَا يُشَارِكُ ذَوِي الدُّيُونِ الْحَالَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِلْمُفْلِسِ، فَلَا يَسْقُطُ بِفَلَسِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلَا يُوجِبُ الْفَلَسُ حُلُولَ مَا عَلَيْهِ كَالْإِغْمَاءِ، (وَلَا يُوقَفُ) مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ (لَهُ)؛ أَيْ: لِمَنْ دَيْنُهُ مُؤَجَّلٌ، (وَلَا يَرْجِعْ عَلَى الْغُرَمَاءِ) بِشَيْءٍ (إذَا حَلَّ) دَيْنُهُ؛ لِعَدَمِ مِلْكِهِ الطَّلَبَ بِهِ حِينَ الْقِسْمَةِ، وَكَذَا مَنْ تَجَدَّدَ لَهُ دَيْنٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِجِنَايَةٍ. (وَيُشَارِكُ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ قَبْلَ قِسْمَةٍ فِي الْكُلِّ)؛ أَيْ: كُلِّ الْمَالِ الْمَقْسُومِ كَدَيْنٍ تَجَدَّدَ عَلَى الْمُفْلِسِ بِجِنَايَةٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، (وَ) يُشَارِكُ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ (فِي أَثْنَائِهَا)؛ أَيْ: الْقِسْمَةِ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ، دُونَ مَا قُسِّمَ، (وَضُرِبَ لَهُ)؛ أَيْ: الَّذِي حَلَّ دَيْنُهُ فِي أَثْنَاءِ الْقِسْمَةِ (بِكُلِّ دَيْنِهِ) الَّذِي حَلَّ، (وَ) يُضْرَبُ (لِغَيْرِهِ)؛ أَيْ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا قَبْلَ حُلُولِ الْمُؤَجَّلِ (بِبَقِيَّتِهِ)؛ أَيْ: بَقِيَّةِ دَيْنِهِ، (وَيُشَارِكُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ) مِنْ مُفْلِسٍ غُرَمَاءَهُ (قَبْلَ حَجْرٍ وَبَعْدَهُ) قَبْلَ قِسْمَةٍ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِثُبُوتِ حَقِّ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ، فَإِنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ قِصَاصًا، فَعَفَا وَلِيُّهَا إلَى مَالٍ أَوْ صَالَحَهُ الْمُفْلِسُ عَلَى مَالٍ شَارَكَ أَيْضًا؛ لِثُبُوتِ سَبَبِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْجَبَتْ الْمَالَ. و(لَا) يُشَارِكُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (مَنْ عَامَلَهُ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسَ (بَعْدَ حَجْرٍ) عَلَيْهِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ. (وَلَا يَحِلُّ) دَيْنٌ (مُؤَجَّلٌ بِجُنُونٍ) كَإِغْمَاءٍ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يَحِلُّ (بِمَوْتٍ)؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ». وَالْأَجَلُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، فَيُنْقَلُ لِوَرَثَتِهِ (إنْ وُثِّقَ وَرَثَةُ) رَبِّ الدَّيْنِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) وُثِّقَ (وَلِيُّ مَجْنُونٍ) جُنُونًا مُطْبِقًا بِحَيْثُ إنَّهُ صَارَ مَيْئُوسًا مِنْ إفَاقَتِهِ، لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَجْنُونَ يُحْجَرُ عَلَى مَالِهِ، وَيُحْفَظُ عَنْ الضَّيَاعِ، فَإِذَا حَلَّ الْمُؤَجَّلُ يُوَفَّى، وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ، فَإِنَّهُ يُوَزَّعُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، فَاحْتَاجَ رَبُّ الدَّيْنِ لِلتَّوْثِقَةِ؛ لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ، (أَوْ) وَثَّقَ (أَجْنَبِيٌّ). رَبَّ الدَّيْنِ (الْأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ التَّرِكَةَ)، فَإِنْ لَمْ يُوَثَّقْ بِذَلِكَ حَلَّ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَدْ لَا يَكُونُونَ مَلِيئِينَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِمْ الْغَرِيمُ، فَيُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْحَقِّ، وَلَوْ ضَمِنَهُ ضَامِنٌ وَحَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا بِمَوْتِهِ؛ لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْأُجْرَةِ الْمُؤَجَّلَةِ: لَا تَحِلُّ بِالْمَوْتِ فِي أَصَحِّ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَحِلُّ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ حُلُولَهَا مَعَ تَأْخِيرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ظُلْمٌ، فَإِنْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ حَالٌّ وَمُؤَجَّلٌ، وَالتَّرِكَةُ بِقَدْرِ الْحَالِّ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ لَمْ يُوَثَّقْ الْمُؤَجَّلُ؛ حَلَّ وَاشْتَرَكَا، وَإِنْ وَثَّقَهُ الْوَرَثَةُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يُتْرَكْ لِرَبِّ الْمُؤَجَّلِ شَيْءٌ (وَيَخْتَصُّ بِهَا)؛ أَيْ: التَّرِكَةِ (رَبُّ) دَيْنٍ (حَالٍّ)، وَيُوَفَّى رَبُّ الْمُؤَجَّلِ إذَا حَلَّ مِنْ الْوَثِيقَةِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ تَوَثُّقٌ)؛ أَيْ: لَمْ يُوَثَّقْ وَارِثٌ حَلَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمَيِّتِ (وَارِثٌ) مُعَيَّنٌ؛ (حَلَّ) الْمُؤَجَّلُ، وَلَوْ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ لِلْغُرَمَاءِ لِئَلَّا يَضِيعَ. (وَلَا يَمْنَعُ دَيْنٌ) لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ عَلَى مَيِّتٍ يُحِيطُ بِالتَّرِكَةِ وَلَا يَمْنَعُ (انْتِقَالَهَا)؛ أَيْ: التَّرِكَةِ (لِوَرَثَةٍ)؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالْمَالِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فِي حَقِّ الْجَانِي وَالرَّاهِنِ وَالْمُفْلِسِ، فَلَمْ يُمْنَعْ نَقْدٌ، (وَيَأْتِي) لِهَذَا الْبَحْثِ تَتِمَّةٌ (فِي) الْوَصَايَا وَفِي آخِرِ بَابِ (الْقِسْمَةِ، وَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهَا)؛ أَيْ: التَّرِكَةِ (كُلِّهَا) سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ فِيهَا (لِلَّهِ) كَالْحَجِّ (أَوْ لِآدَمِيٍّ)، وَسَوَاءٌ (أُثْبِتَ فِي الْحَيَاةِ)؛ أَيْ: حَيَاةِ الْمُفْلِسِ، (أَوْ تَجَدَّدَ بَعْدَ الْمَوْتِ)؛ أَيْ: مَوْتِهِ بِسَبَبٍ يَقْتَضِي الضَّمَانَ؛ (كَحَفْرِ بِئْرٍ) تَعَدِّيًا (قَبْلَهُ)؛ أَيْ: الْمَوْتِ، وَكَوَضْعِ حَجَرٍ تَعَدِّيًا، فَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِ حَافِرٍ وَوَاضِعٍ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ، (وَالدَّيْنُ بَاقٍ بِذِمَّةِ مَيِّتٍ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إلَّا إنْ بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ» مُتَعَلِّقٌ (فِي التَّرِكَةِ حَتَّى يُوَفِّيَ) مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. (وَيَصِحُّ تَصَرُّفُ وَارِثٍ فِيهَا)؛ أَيْ: التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ؛ لِانْتِقَالِهَا إلَيْهِمْ؛ كَتَصَرُّفِ السَّيِّدِ بِالْعَبْدِ الْجَانِي، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ (بِشَرْطِ ضَمَانٍ). قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَمَّا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الضَّمَانِ؛ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ قَالُوا: فَإِنْ تَصَرَّفُوا فِيهَا؛ صَحَّ، وَيَضْمَنُ الْوَرَثَةُ إذَا تَصَرَّفُوا فِي التَّرِكَةِ (الْأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ) قِيمَةَ (التَّرِكَةِ)؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْجَانِيَ أَوْ النِّصَابَ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ وَفَاءُ) الدَّيْنِ بَعْدَ تَصَرُّفِهِمْ فِي التَّرِكَةِ؛ (فُسِخَ تَصَرُّفُهُمْ)، إلَّا إنْ كَانَ التَّصَرُّفُ بِعِتْقٍ؛ فَلَا يُفْسَخُ، وَعَلَيْهِمْ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الدِّينِ؛ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْجَانِيَ، وَالرَّاهِنُ الرَّهْنَ. (وَلَيْسَ لِضَامِنٍ إذَا مَاتَ مَضْمُونُهُ مُطَالَبَةُ رَبِّ حَقٍّ بِقَبْضِهِ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ فِيهِ (مِنْ تَرِكَةِ مَضْمُونِهِ) لِيَبْرَأَ الضَّامِنُ، (أَوْ أَنْ يُبْرِئَهُ)؛ أَيْ: الضَّامِنُ مِنْ الضَّمَانِ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ الْأَصِيلُ. (وَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ إجْبَارُ مُفْلِسٍ مُحْتَرِفٍ) كَحَدَّادٍ وَنَجَّارٍ وَحَائِكٍ (عَلَى) الْكَسْبِ أَوْ (إيجَارِ نَفْسِهِ)، وَإِنْ كَانَ لَهُ صَنَائِعُ أُجْبِرَ عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ (فِيمَا يَلِيقُ بِهِ)؛ لِيُوَفِّيَ (بَقِيَّةَ دَيْنِهِ) بَعْدَ قِسْمَةِ مَا وُجِدَ مِنْ مَالِهِ؛ لِحَدِيثِ «سُرَّقٍ، وَكَانَ سُرَّقٌ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ وَرَاءَهُ مَالًا، فَدَايَنَهُ النَّاسُ، وَرَكِبَتْهُ دُيُونٌ، وَلَمْ يَكُنْ وَرَاءَهُ مَالٌ فَسَمَّاهُ سُرَّقًا، وَبَاعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحُرُّ لَا يُبَاعُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ تُبَاعُ مُنَاصَفَةً؛ إذْ الْمَنَافِعُ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَتَحْرِيمِ أَخْذِ الزَّكَاةِ، وَثُبُوتِ الْغِنَى بِهَا، فَكَذَا فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ بِهَا، وَالْإِجَارَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَأُجْبِرَ عَلَيْهَا لِبَيْعِ مَالِهِ؛ وَكَإِجَارَةِ (وَقْفٍ وَأُمِّ وَلَدٍ يُسْتَغْنَى عَنْهُمَا) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ، فَلَزِمَهُ؛ كَمَالِكِ مَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ مِنْهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَغْنِيَاءِ فِي حِرْمَانِ الزَّكَاةِ، وَسُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْ قَرِيبِهِ، وَوُجُوبِ نَفَقَةِ قَرِيبِهِ، وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ». قَضِيَّةُ عَيْنٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ لِذَلِكَ الْمَدِينِ حِرْفَةٌ يَكْتَسِبُ بِهَا مَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَدَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِ سُرَّقٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ بَيْعَ الْحُرِّ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِنَا، وَحَمْلُ لَفْظِ بَيْعِهِ عَلَى بَيْعِ مَنَافِعِهِ أَسْهَلُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى بَيْعِ رَقَبَتِهِ الْمُحَرَّمِ، وَحَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ شَائِعٌ كَثِيرٌ، وَقَوْلُ مُشْتَرِيهِ: أَعْتَقْتُهُ؛ أَيْ: مِنْ حَقِّي عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: فَأَعْتَقُوهُ؛ أَيْ: الْغُرَمَاءُ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا الدَّيْنَ عَلَيْهِ، (مَعَ بَقَاءِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ الْمُؤَجِّرِ لِنَفْسِهِ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ لِقَضَاءِ بَقِيَّةِ الدَّيْنِ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِفَكِّ حَجْرِهِ. و(لَا) تُجْبَرُ (امْرَأَةٌ) مُفْلِسَةٌ (عَلَى نِكَاحٍ)- وَلَوْ رَغِبَ فِيهَا- بِمَا تُوَفِّي بِهِ دَيْنَهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ مَا قَدْ تَعْجِزُ عَنْهُ. (وَلَا) يُجْبَرُ (مَنْ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ كَفَّارَةٌ) بِالْعِتْقِ لَوْ احْتَرَفَ أَوْ أَجَرَ نَفْسَهُ، عَلَى أَنْ يَحْصُلَ عَلَى حِرْفَتِهِ مَا يَحُجُّ بِهِ أَوْ يُكَفِّرُ، وَلَا عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَا يُبَاعُ فِيهِ، وَلَا تُجْرَى فِيهِ الْمَنَافِعُ مَجْرَى الْأَعْيَانِ، وَأَمَّا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْكَفَّارَةُ، فَتَهَاوَنَ حَتَّى أَفْلَسَ؛ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِجَرَيَانِ الْمَنَافِعِ هُنَا مَجْرَى الْأَعْيَانِ. (وَيَحْرُمُ إجْبَارُهُ)؛ أَيْ: الْمَدِينُ الْمُفْلِسِ (عَلَى قَبُولِ نَحْوِ هِبَةٍ- وَلَوْ مِنْ وَلَدِهِ- وَ) عَلَى قَبُولِ (صَدَقَةٍ وَ) قَبُولِ (وَصِيَّةٍ)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ تَحَمُّلِ الْمِنَّةِ، بِخِلَافِهِ عَلَى الصِّفَةِ.
(وَ) لَا يُجْبَرُ الْمُفْلِسُ عَلَى (تَزْوِيجِ أُمِّ وَلَدِهِ) لِوَفَاءِ دَيْنِهِ مِمَّا يَأْخُذُ مِنْ مَهْرِهَا- وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَطَؤُهَا- لِأَنَّهُ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ، وَيُعَلِّقُ حَقَّ الزَّوَاجِ بِهَا.
(وَ) يَحْرُمُ إجْبَارُهُ عَلَى (خُلْعِ) زَوْجَتِهِ عَلَى عِوَضٍ يُوَفِّي مِنْهُ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ إلَيْهَا مَيْلٌ.
(وَ) لَا يُجْبَرُ عَلَى (رَدِّ مَبِيعٍ) لِعَيْبٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) لَا عَلَى (إمْضَائِهِ فِي خِيَارٍ)- وَلَوْ كَانَ فِيهِ حَظٌّ- لِأَنَّهُ إتْمَامُ تَصَرُّفٍ سَابِقٍ عَلَى الْحَجْرِ، فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ.
(وَ) لَا يُجْبَرُ عَلَى (أَخْذِ دِيَةٍ عَنْ قَوْدٍ) وَجَبَ لَهُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى قِنِّهِ أَوْ مُوَرِّثِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْمَعْنَى الَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ، ثُمَّ إنْ اقْتَصَّ فَلَا شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ، وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ؛ ثَبَتَ وَتَعَلَّقَ بِهِ دَيْنُهُمْ، وَلَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا، خِلَافًا لِلْإِقْنَاع. (وَلَا يَمْلِكُ أَجْنَبِيٌّ وَفَاءَ دَيْنِهِ)؛ أَيْ: الْمَدِينِ (مُتَبَرِّعًا) بِذَلِكَ (بِلَا رِضَاهُ)؛ أَيْ: الْمَدِينِ، (وَلَا يَمْلِكُ الْحَاكِمُ قَبْضَ ذَلِكَ)؛ أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا لِلْمَدِينِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ (بِلَا إذْنِهِ)؛ أَيْ: الْمَدِينِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يَمْلِكْ فِعْلَهُ عَنْهُ. (وَيَنْفَكُّ حَجْرُهُ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ (بِوَفَاءِ) دَيْنِهِ (بِلَا) حُكْمِ (حَاكِمٍ) بِفَكِّهِ؛ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ الْحَجْرُ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ. (وَيَصِحُّ الْحُكْمُ بِفَكِّهِ)؛ أَيْ: الْحَجْرِ (مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ) الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِفَكِّهِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ فَرَاغِ مَالِهِ، وَالنَّظَرِ فِي الْأَصْلَحِ مَعَ بَقَاءِ الْحَجْرِ وَفَكِّهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ بِدُونِ حُكْمٍ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِحُكْمٍ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِهِ؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ (فَلَوْ طَلَبُوا)؛ أَيْ: غُرَمَاءُ مَنْ فُكَّ حَجْرُهُ (إعَادَتَهُ) عَلَيْهِ (لِمَا بَقِيَ) مِنْ دَيْنِهِمْ؛ (لَمْ يُجِبْهُمْ) الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَكَّ حَجْرُهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ ادَّعَوْا أَنْ بِيَدِهِ مَالًا وَبَيَّنُوا سَبَبَهُ؛ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، فَإِنْ أَنْكَرَ حُلِّفَ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ وَقَالَ: هُوَ لِفُلَانٍ وَأَنَا وَكِيلُهُ أَوْ عَامِلُهُ؛ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ إنْ كَانَ حَاضِرًا، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَلَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ أُعِيدَ الْحَجْرُ بِطَلَبِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ غَائِبًا أَقَرَّ بِيَدِ الْمُفْلِسِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ، وَيَسْأَلَهُ. (وَإِنْ اسْتَدَانَ) مَنْ فُكَّ حَجْرُهُ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةُ دَيْنٍ؛ (فَحُجِرَ عَلَيْهِ)- وَلَوْ بِطَلَبِ أَرْبَابِ الدُّيُونِ الَّتِي لَزِمَتْهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ- (تَشَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ وَ) غُرَمَاءُ الْحَجْرِ (الثَّانِي) فِي مَالِهِ الْمَوْجُودِ إذَنْ؛ لِتُسَاوِيهِمْ فِي ثُبُوتِ حُقُوقِهِمْ فِي ذِمَّتِهِ؛ كَغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلِينَ يُضْرَبُ لَهُمْ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ، وَالْآخِرِينَ بِجَمِيعِهَا. (وَمَنْ فُلِّسَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- (ثُمَّ اسْتَدَانَ لَمْ يُحْبَسْ) نَصًّا؛ لِوُضُوحِ أَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ أَوْ الْمَيِّتِ حَقٌّ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَحَلَفَ الْمُفْلِسُ أَوْ الْوَارِثُ مَعَهُ؛ ثَبَتَ الْمَالُ، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ؛ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، (وَإِنْ أَبَى مُفْلِسٌ أَوْ) أَبَى (وَارِثٌ الْحَلِفَ مَعَ شَاهِدٍ لَهُ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ أَوْ الْوَارِثِ (بِحَقٍّ؛ لَمْ يُجْبَرْ، وَلَيْسَ لِغُرَمَاءِ) الْمُفْلِسِ أَوْ الْمَيِّتِ (الْحَلِفُ)؛ لِإِثْبَاتِهِمْ مِلْكًا لِغَيْرِهِمْ تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُهُمْ بَعْد ثُبُوتِهِ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ؛ (كَزَوْجَةٍ تَحْلِفُ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ زَوْجِهَا لِتَعَلُّقِ نَفَقَتِهَا بِهِ)، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ الْمُفْلِسُ وَلَا الْوَارِثُ عَلَى الْحَلِفِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ الْحُكْمُ (الرَّابِعُ انْقِطَاعُ الطَّلَبِ عَنْهُ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ؛ أَيْ: فَأَنْظِرُوهُ إلَى مَيْسَرَةٍ، وَلِحَدِيثِ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ». وَرُوِيَ (وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ) (فَمَنْ أَقْرَضَهُ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسَ (أَوْ بَاعَهُ شَيْئًا- وَلَوْ غَيْرَ عَالَمٍ بِحَجْرِهِ- لَمْ يُشَارِكِ الْغُرَمَاءَ وَلَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ) بِبَدَلِ الْقَرْضِ أَوْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَهُ بِمُعَامَلَتِهِ مَنْ لَا شَيْءَ مَعَهُ (حَقٌّ يَنْفَكُّ حَجْرُهُ)؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غُرَمَائِهِ حَالَ الْحَجْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ، (لَكِنْ إنْ وَجَدَ الْمُعْتَرِضُ أَوْ الْبَائِعُ) (عَيْنَ مَالِهِ؛ فَلَهُ أَخْذُهَا) إنْ جَهِلَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا (كَمَا مَرَّ) مُفَصَّلًا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ.